نقطة في مرآة

كأنّ الألوان بدت أكثر قوّة وحضورا على ذلك الطريق. 

على الطريق الحجري الوعر

الذي تجري ساقيةٌ مياهُها رائعة الرقّة والشفافيّة قربه، 

وهي مياه متمرّدة على الأرجح، 

لأنّها تجري صعودا.. لا كما يجب. 

والساقية أخت – ربّما – لواحدة مثلها 

تسكن أغوار الذاكرة ونزهات الطفولة 

التي تطبع القلب والفكر إلى الأبد برقّة سلسة مجهولة.. 

**

أحسست ببعض الضياع وأنا على ذلك الطريق .. 

وأحسست بأنّي أتأخّر عن شيء ما .. 

كقلق الراحل إلى محطّة قطار عابر من أو إلى وطن ما.. 

ورغم كلّ هذا كنت هناك، 

أعتقد

ورأيتُني – للحظة – جالسا أمامه ، 

يغمرني إحساس دافىء غريب.. 

إحساس بقرب وتوقير واحترام، 

إحساس بأنّه يشبهني رغم إدراكي أنّه لم يكن أبي.. 

هو شيخ مسنّ ولكن أذكر أن لا شيب في وجهه ولا شعر على رأسه.. 

**

لسبب ما، كانت الصورة الطاغية عنه في خلدي صورة دمع 

ُيغرِق عينه اليمنى بتصميم

ولكنّه لا يسيل منها..  

وكأنّ الساكن صار المنزل – لا يتمايزان.. 

وعلى بياض عينه، تحت مرآة الدمع الزجاجيّة، 

بقعة حمراء لا بدّ أنّ السنين رسمتها هناك أثرا

أو إشارة بالتوقّف،

ذكّرتني أنّنا ننظر أحيانا إلى نقطة واحدة، 

فتحمل لوحدها كلّ ما يمكن أن يقال 

**

عندما أتذكّر هذا اللقاء، 

ولا أعرف أيّ اللحظات أكثر قربا من الحقيقة – إن كان هناك شيء كهذا – 

لا أذكر بدقّة ماذا كان يقول ، 

ولكنّني أذكر الدمع، 

وابتسامة خفيفة ، 

و تلميحا عن النور العظيم،

الذي يسكن حضورَه توقّف الكلمات والأفكار.. واللحظات،

**

عندما أتذكّر هذا اللقاء، 

يخيّل إليّ أنّها كانت لحظة شرود، 

في انعكاس نرجسي على صفحة بحيرة، 

لحظة خيال أو تذكّر أو استشراف – لا فرق، 

وكان لا بدّ أن أكمل سيري بعدها، 

على طريق حجريّ وعر، 

يجري قرب ساقية رائعة. 

***

***

نقطة في مرآة

قصّة شعريّة : مقتل القمر ( أمل دنقل)

(( قُتِل القمـــر ))!

قصّة شعريّة : مقتل القمر ( أمل دنقل)
…وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل مدينة ،
(( قُتِل القمـــر ))!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد ،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :
-(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))
وتقول جارتنا الصبية :
– (( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))
….. …….. …….
وتدلت الدمعات من كل العيون
كأنها الأيتام – أطفال القمر
وترحموا…
وتفرقوا…..
فكما يموت الناس…..مات !
وجلست ،
أسأله عن الأيدي التي غدرت به
لكنه لم يستمع لي ،
….. كان مات !
****
دثرته بعباءته
وسحبت جفنيه على عينيه…
حتى لايرى من فارقوه!
وخرجت من باب المدينة
للريف:
يا أبناء قريتنا أبوكم مات
قد قتلته أبناء المدينة
ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف
وتفرَّقوا
تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة
يا أخوتي : هذا أبوكم مات !
– ماذا ؟ لا…….أبونا لا يموت
– بالأمس طول الليل كان هنا
– يقص لنا حكايته الحزينة !
– يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته
أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !
قالوا : كفاك ، اصمت
فإنك لست تدري ما تقول !
قلت : الحقيقة ما أقول
قالوا : انتظر
لم تبق إلا بضع ساعات…
ويأتي!
***
حط المساء
وأطل من فوقي القمر
متألق البسمات ، ماسيّ النظر
– يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا
فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة ؟
قالوا: غريب
ظنه الناس القمر
قتلوه ، ثم بكوا عليه
ورددوا (( قُتِل القمر ))
لكن أبونا لا يموت
أبداً أبونا لايموت !
أمل دنقل - رسم حاتم عرفة
أمل دنقل – رسم حاتم عرفة – هل بإمكانكم قراءة ما كُتِب؟
أمل دنقل – قصيدة مقتل القمر – أرشيف ماسبيرو

عن أمل دنقل: (من ويكيبيديا العربيّة )

هو محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل. ولد أمل دنقل عام 1940م في أسرة صعيدية بقرية القلعة ، وقد كان والده عالماً من علماء الأزهر الشريف مما أثر في شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح

ورث أمل دنقل عن والده موهبة الشعر فقد كان يكتب الشعر العمودي، وأيضاً كان يمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي مما أثر كثيراً في أمل دنقل وساهم في تكوين اللبنة الأولى لهذا الأديب. فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره مما أثر عليه كثيراً واكسبه مسحة من الحزن تجدها في كل أشعاره.

عمل أمل دنقل موظفاً بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية ثم بعد ذلك موظفاً في منظمة التضامن الأفروآسيوي، ولكنه كان دائماً ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر. كمعظم أهل الصعيد، شعر أمل دنقل بالصدمة عند نزوله إلى القاهرة أول مرة، وأثر هذا عليه كثيراً في أشعاره ويظهر هذا واضحاً في اشعاره الأولى.

مخالفاً لمعظم المدارس الشعرية في الخمسينيات استوحى أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي، وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانية خاصة. عاصر امل دنقل عصر أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد صدم ككل المصريين بانكسار مصر في عام 1967 وعبر عن صدمته في رائعته “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” ومجموعته “تعليق على ما حدث “.

عبر أمل دنقل عن مصر وصعيدها وناسها، ونجد هذا واضحاً في قصيدته “[الجنوبي]” (وهي آخر قصائده) في آخر مجموعة شعرية له “أوراق الغرفة 8″، حيث عرف القارئ العربي شعره من خلال ديوانه الأول “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” الصادر عام 1969 الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 وأكد ارتباطه العميق بوعي القارئ ووجدانه.

أصيب امل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة تقرب من ثلاث سنوات وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته “أوراق الغرفة 8” وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام والذي قضى فيه ما يقارب الأربع سنوات، وقد عبرت قصيدته السرير عن آخر لحظاته ومعاناته، وهناك أيضاً قصيدته “ضد من” التي تتناول هذا الجانب، والجدير بالذكر أن آخر قصيدة كتبها دنقل هي “الجنوبي”.

لنضع النقاط على الحروف

أصل كتابة اللغة العربية

كما قد يعلم البعض منكم ، كانت اللغة العربية مكتوبة في الأصل بدون نقاط و حركات تشكيل، هل تساءلت يومًا كيف كانوا يلقون الخطب؟ كيف كانوا يقرأون القصص و الأشعار من دون نقط على الاحرف؟ الم تتشابه الاحرف بالنسبة لهم؟

أنا الوحيدة التي لن تكون قادرة على التفريق بين ط وظ او بين ص و ض و غ و ع؟ هل استغرقهم المزيد من الوقت لقراءة نفس الجملة بالنقاط كما هي بدون؟ هل تلعثموا عند القرأة؟

meme child صورة لطفل

لذلك أجريت القليل (و بالقليل اقصد الكثير) من البحث على لغتنا ، فهل أنت جاهز(ة) لنكتشف سوياً جزء من تاريخ هذه اللغة ؟

حسنًا ، قبل أن نبدأ في تحليل من نقط الحروف في المقام الأول ، عثرت على بعض النظريات التي ساعدتني على فهم الصورة الكبيرة

النظرية الاولى

الدؤلي المعروف أيضًا باسم ابو الاسود أو ملك القواعد ، قام بوضع النقط على حروف عربية ليسهل على الناس قراءتها

النظرية الثانية

نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني قاما بوضع النقط و ترتيب الابجدية بالطريقة التي نعرفها اليوم

النظرية الثالثة

الحروف العربية كانت منقوطة قبل الدؤلي ، وقد نال الفضل في ذلك عبر التاريخ عن غير حق

كيف نعرف النظرية الصحيحة؟ وضعت نظارتي وقمت بتفعيل وضعية المحقق كونان و اكتشفت الآتي

بعد الكثير من القراءة وصلت إلى صفحة فيسبوك تحت اسم “علماء العرب” حيث شاركوا قصة وجدتها شخصيا مثيرة للاهتمام وهي على النحو التالي:

ذهب الدؤلي لرجل يسمى زياد و قال له “اريد كتاباً يستطيع ان يفهم الحركة من فمي”

اتى زياد بأول رجل وبدأ في كتابة الحروف بطريقة تتوافق مع حركة فم الدؤلي لكن الدؤلي لم يوافق على طريقته

stick figure مرفوض

لذلك اتى زياد بالرجل الثاني وأخبره الدؤلي هذا (باقتباس): إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف (أي داخل الحرف أو أمامه)، وإذا كسرت فمي فاجعل النقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت شيأ من ذلك( أي أتبع فتح الفم أو ضمه أو كسره) غنّة(فالغنة لغة صوت له رنين في الخيشوم وفي اصطلاح علماء التجويد صوت خفيف يخرج من الخيشوم ولا عمل فيه للسان وتمد) فاجعل النقطة نقتطين

على سبيل المثال جملة تقول:

إنّ الذي مَلَأ اللُغاتِ مَحاسِناً جَعَلَ الجَمالَ و سَّرهُ في الضَّادِ

ستكتب على هذا النحو:

اخذت هذه القصة احداثها في عام 67 هجري اي ما بين العامين 686 و 687 ميلادي. اذاً يمكننا القول ان الدؤلي لم يضع النقاط على الحروف, بل قدم طريقة جديدة لكتابتها

الغاء النظرية الأولى

عند البحث في النظرية الأولى صادفت اسمين يمثلان رابطًا مهمًا لبحثنا اليوم

نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني

الليثي معروف ب فقيه العربية كان عالما فصيحا باللغة, وفي الحقيقة كان أحد طلاب الدؤلي. بصراحة ليس هناك الكثير من المعلومات عن حياته ولكننا نعلم أنه توفي عام 89 هجري اي ما يقارب 707-708 ميلادي.

قيل أن الليثي كان أول من تجاهل طريقة ترتيب ابجد هوز وبدلاً من ذلك قام تنقيطها وترتيبها بالطريقة التي نعرفها بها اليوم. لكن التاريخ ذاته يقول ان يحيى بن يعمر العدوانى هو من قام بوضع النقط على الحروف و ترتبيها, و حلها اذا بتنحل

لذلك فكرت لماذا لا أتحقق من تواريخ ميلادهم وأيام وفاتهم؟ ربما ستوضح الأمور ، وقد فعلت ذلك ، لكنهم تداخل كل شيء، لذلك كانت الاستراتيجية عديمة الفائدة تمامًا.

لذلك فكرت في ثاني افضل حل, و هوالبحث أكثر على جوجل للعثور على ادلة و قد صادفت التالي: الليثي قام بوضع النقط على الحروف لكنه لم يكن الشخص الذي رتبها كما نعرفها اليوم. اما يحيى فقد وضع النقط ايضا على الحروف و رتبها كما نعرفها اليوم بالاستناد الى كتب الدؤلي و الليثي

اذًا يمكننا اعتبار النظرية الثانية صحيحة!

اشارة صح

الحمد لله وجدت إجابات على أسئلتي والآن يمكنني النوم بسلام ، أليس كذلك؟ خطأ! ماذا الان 😩 😭

بينما كنت منغمسة في البحث عن الحقيقة ، وصلت إلى منشور مدونة “جلطني”. كاتب المنشور إياد حسن جاسم و قد اقترح نظرية ثالثة اي و هي ان الاحرف العربية كانت منقطة قبل الدؤلي. معقول أن كل شيء كتبته غلط؟

إياد يروي قصة وثيقة و صل استلام بين تجار عرب و اخر محليين كالتالي(بإقتباس): الوثيقة هي عبارة عن وصل استلام بين احد القادة العرب وتجار محليين لعدد من الارزاق المتمثلة بخراف للذبح لغرض تموين الكتبة والفرسان واسطول السفن النهرية المستخدمة من قبل القوات الفاتحة.
الملاحظات:

  1. تم شراء 65 راس خروف خمسون و15 اخرى للبحارة والكتبة والثقلاء
  2. اسم المستلم عبد اله بن جبر
  3. تم الشراء من تاجرين او شخصين مسيحيين يمكن ان يكونا راعيين او موظفين عند مالكي الاغنام
  4. البيع تم في هيليوبوليس
  5. الكتاب مكتوب باللغتين اليونانية والعربية ويلاحظ ان الخط العربي كان منقطا انذاك
  6.  الوثيقة هي جزء من مجموعة الارشيدوق راينير ومحفوضة في المتحف الوطني النمساوي في فيينا

انا شو بفهم من هل حكي؟؟؟؟

بعد انهياري العصبي الصغير, تقبلت الموضوع و بدأت ابحث عن اي دليل يثبت وجود هذه الوثيقة و وضعت بعض النظريات التي قد تساعدني على معرفت الحقيقة:

  1. الاحرف كانت منقطة كما نعرفها اليوم
  2. الاحرف كانت منقطة بطريقة تتشابه مع مبدأ الدؤلي بالتنقيط
  3. الاحرف لم تكن منقطة من الاساس

انظروا ماذا وجدت, الوثيقة!!!!!!!!!!

وثيقة لأول كتابات للغة العربية
وصل الاستلام : كتب باللغة العربيّة – هل يوجد نقط على الحروف ؟

يقرأ النقش:

مقتطف من كتاب تاريخ الخط العربي عبر العصور المتعاقبة
مقتطف من كتاب تاريخ الخط العربي عبر العصور المتعاقبة 

هل تروا النقاط؟ ام انا الشخص الوحيد الذي يرى بعض النقاط على حرف النون؟؟؟ و لماذا فقط على حرف النون؟

حسنًا ، هذه الفرضية يمكن أن تذهب في أحد الاتجاهين

أسهم لاحتمالين

اذا رأيت نقاط علق ✔️ و اذا لم تر علق❌

المهم يمكننا الاتفاق ان الاحرف ليست كلها منقطة, اذا يمكننا حذف النظرية التي تقول ان الاحرف كانت منقطة قبل الدؤلي, لانها تختلف عن التنقيط الذي نعرفه اليوم

صورة طريفة حريق

السبب وراء تنقيط الاحرف؟

لجأ العلماء الى تعديل اللغة العربية بسبب ظهور اللحن باللغة العربية و خوفًا من ان يستمر التلحين ليصل الى القرآن الكريم

اخبرني احدهم قصة صغيرة اضحكتني عن الحجاج (ان كنت لا تعرف الحجاج فإقرأ عنه هنا, اقل ما يقال عنه انه شخص مثير الاهتمام) المهم كان انسانا قاسيا ومخيفا و كان فصيحًا و بليغًا باللغة العربية و على ما يبدو كان يأمر بمعاقبة الذين يتلعمثون او “يتأتئون” عند القراءة.

يا ربي! تخيلوا كانوا يُضربون لمجرد أخذ و قت اطول لتحليل ما تقول الجملة التي هي من دون نقاط على فكرة, الله لا يحطه بديار حدا

هل يدرك أحدكم مدى صعوبة قراءة – ليس كلمة أو جملة بل – فقرات في اللغة العربية بدون نقاط ؟؟ ليس لديك نقاط لإرشادك وبعض الحروف متطابقة ماذا تفعل في هذه الحالة؟

عليك أن تصنع معنى من الجملة قبل قراءتها وهذا عكس ما نفعله الآن. نحن نقرأ أولاً ثم نعطي الجملة معنى ولكن في الماضي كانت القراءة دورة كاملة لمهارات حل المشاكل، كان في القراءة تحفيز عقلي أكثر مما هو الآن أيمكنك أن تتخيل ذلك؟

لذلك يمكننا أن نستنتج نوعًا ما أن يحيى والليثي هم من قدموا الاحرف بالشكل الذي نعرفه اليوم. إن تطور اللغة العربية عبر التاريخ مذهل,بالتأكيد لا يزال غير واضح لكن لا شيء اقل من رائع.

هل تعرف أي نظريات يمكن أن تساعدنا في التّوصل إلى نتيجة أفضل؟ ربما حتى كتابة جزء 2 من المنشور؟ شارك معنا في قسم التعليقات ادناه, و اذا حدا بيعرف قصص ظريفة يقولها كرمال نغير جو