بيروت: الإنهيار الأعظم

بيروت والارهاب الدموي

لربما لم يكن ما حصل البارحة في العاصمة بيروت مستهجنا اكثر مما هو قاس ومستعجل. كل الأعين وعلى امتداد هذا الوطن الموبوء كانت تتطلع الى حدث يقلب كل موازين البلد، يلغي القدسيات ويسقط الأقنعة الساقطة أصلا ممهدا الى قيام وطن وقف ميتا لعقود لينهض من ركامه وينتقم لنفسه من قاتليه، إنه وللمرة ألأولى لن يسامح.
ستة سنوات من الأهمال المدروس فاقت نتائجها في الدمار والأرواح سنين مجتمعة من القتل والتفجيرات التي عصفت بالبلد، والتخاذل لا يزال مسمرا على ابواب السياسة والحصانة الدستورية لقتلة في أزياء منمقة تأتيك من كل حدب وصوب. انه الارهاب الأكثر دموية، إرهاب الحاكم بأمر المال والعصبية واوتار المذهبية والدين.

الدولة و حاكميها


وكأن خمسين سنة من القتل والتهجير والتدمير والحروب في هذا البلد لم تكن كفيلة ان توقظ ضمائر القتلة الحاكمين بل انها أسست الى إنشاء سلسلة متشابكة من المجرمين من مكونات الدولة وسلطاتها في المقام الاول والأخير. رابطة من المنافقين بمختلف تفرعاتهم والوانهم جمعهم توجههم الواحد المشترك وهو القضاء على ما تبقى من إستقلالية وحياة في هذا الوطن. وإنطلاقا من مبدأ الغاية تبررالوسيلة لم تكن حيوات الناس والامهم رادعاً دون تحقيق ذلك بل انه كان الوسيلة الأساس للوصول اليه كاملا وبدون أية اخفاقات في اي تفصيل. ان الرغبات المقيتة لهؤلاء الهمج ايا كانت وكيفما اعلنت فإنها اليوم قد أذابت جلود البشر عن اجساد الشياطين تلك وكشفت الإنفجار الأعظم الذي مهد له ذوي البزات الرسمية.

الحروب والقتل


في لحظة الحقيقة هذه لم يعد اي حديث جلي بالإستماع والإنصات الا ذلك الذي يحمل المسؤولية لأسماء كبيرة قديمة حديثة حملت الحرب والقتل سبيلا للنهوض بمؤسساتها وتفعيل تجارتها وملئ حساباتها ولو من بين صرخات الناس والركام المتكئ على ضلوعهم المقتص من احلامهم وامال علقت عليهم يوما ما.
وتبقى في النهاية كل هذه المأساة مجتزأة امام مأساة السكوت والعودة الى الحياة اليومية وكأن شيئا لم يحدث.كل ما نعول عليه في هذه اللحظات هو أن يؤسس هذا الانفجار الى انفجار أعظم في ضمائر الأمة وعلى مدى طويل يختزن كل الام الناس واحزانهم في امة واعية يقظة لما يراد لها من خراب.

مرفأ بيروت الجيش اللبناني انفجار
مرفأ بيروت

البيت

لطالما أردت متنفّسا ألوذ اليه عندما تتثاقل على منكبي تنكيلات الحياة، او ثغرة تسيل منها أحاسيسي كانت قد نجمت يوما ابّان تخبطاتها مع الفؤاد وجدرانه، أو منبرا أتشاركه مع من يتلذذ بطهو الابجدية ،ويتشرب بشغف قدسية الحرف الساكن صميم القلب، الصاعد من قعر الروح، لتتصادم أقلام القدر وأجد نفسي أكتب على مدونة كانت يوما ملفا محفوظا في درج أحلامي.

لذلك ستكون منسوجتي الأدبية هذه أول ما حاكه القلب حبا في صيف العام الماضي، حين فاضت روحي وأريقت في عالم دستوره فلسفتي، فوجدت من يشيد حصنا ليضيف لعالمي لونا… لفوج القلعة، فوج صيدا الخامس، لكم حرفي اليوم.

⚜مع تسلل الليل بخفة الى عالمنا ليضيء فينا نورا ما لبث أن أشعل افئدتنا بشيء من ذبذبات الصباح كنا تحت مظلة من النجوم التي اعتلت السماء فكانت صديقا يؤنسنا من وحشة الدجى ،صديق كالبقية يؤنسنا حين تتغلف قلوبنا بشيء من الظلمة …

كنا هناك نستمد من القمر ما يزين أعيننا و يكحلها كنسمة امل لا بصيص ملل، كان ملهما كعيون ريم بايدي الشعراء أو رذاذ حب مفقود بايدي مستغانمي.

تحت كل هذا بانت عائلة كأنما ولدت من جديد  ،ولدت من ورقة شجر و حفنة تراب و نسمة كانت بمثابة الحياة داخل نفس اختارت الرمضاء و الصحراء ملاذا… أجل ولدت من الطبيعة و روعتها التي تكمن في بساطتها،  ربما لا يدركون هذا بعد و لكن لن تستحيل روحهم  عائدة لأصلها قبل كشف الحقيقة …حقيقة طينتهم حقيقة طبيعتهم حقيقة مطافهم.

لطالما كانت تراودني افكار تشدني نحو الحقيقة ومعرفتها، والبحث عنها دون كلل الا أن الإجابة احيانا تكون أمام ناظريك، لكن صبغة جهل تظهر امام البصيرة فتعميها …فلطالما كان الجواب أمام عيني … جواب لا يملّ طفل بريء منذ نعومة أظافره من ملاحقته، فالجواب هو ذا، جواب حقيقة وجوده، بل هو الحقيقة برمتها و لتحلق الحقائق الأخرى إلى الهاوية ….

هل الجواب كتف تجده عند الحزن؟ ام بسمة عند الامل؟ أم روح اتت لتمازج روحك؟ ام الوسيلة التي عبرتها للوصول إلى الدنيا ؟… هل الحزن أكثر مقاما من الفرح؟ أم الحاجة لمن يبتسم لفرحك أولى منها لمن يبكي لوجعك؟ أم من رماك بين أروقة الطريق لتشدو و تكسر و تكبر و تتشبث؟ أم ذلك الطيف الذي ترى لروحك انعكاسا خلاله ؟ أيهم أولى مقاما؟ ايهم أولى مقاما ليكونوا للبيت معجما؟


بعد اخفائهم لبريق المصابيح المعلقة و سلبهم النمل لسكونهم و لحظتهم في إيصال دبيب  عجزوا عن ايصاله في وضح النهار جراء تطفل الإنسان على أرضهم، بعد كل هذا نفض الغبار عن أحرف عرقلت ادراكي لمفتاح شيفرة لغزي، أبصرت الحقيقة كاملة، و كيف لي ان اتغافل عن حقيقة كتلك؟ ببساطة هم كانوا الجواب، اجل هم أنفسهم كانوا جوابا لمعضلتي، هم الكتف والبسمة والروح، هم البيت⁦ ️. ⁩🍃

لوحة للفنان الإيراني ايمان ملكي- البيت
لوحة للفنان الإيراني ايمان ملكي

ما الذي جاء أولا العنقاء أو الشعلة؟

ما الذي جاء أولا العنقاء أو الشعلة؟ سؤال لو بقينا نفكر من الذي حلّ اولًا لما وصلنا الى إجابة، أوّد ان افكر كما قالت J.K rolling  انه كالدائرة لا بداية ولا نهاية له.

 يقال ان طائرالعنقاء شبيه للصقر بجوانح حمراء و ذهبية، عاش في الصحارى العربية لخمسة او ستة قرون، و يعرف ايضًا بطائر الفينيق.

عن تاريخ العنقاء

تشير الأساطير الى ان العنقاء يعيش حوالي 500 سنة، و بعد مرور هذا الوقت يحين موعد تحضير الجنازة حيث يقوم بتجميع الأعشاب (من بينها القرفة) لبناء عشه، و مع طلوع الشمس يشتعل بجناحيه حتى لا يبقى منه سوى رماد، من ثم ينهض من جديد من الرماد شابًا للعيش دورة أخرى  “ولفي بينا يا دنيا”.

تتنوع القصص حول العنقاء، فمنهم من يقول انه يحرق نفسه على مذبح معبد هيليوس (معبد الشمس) في مصر وأن دودة تخرج من الرماد لتنمو جناحين و تصبح العنقاء من جديد. من يدري ما الحقيقة حقًّا، هذه قصة واحدة من العديد من الاساطير عن العنقاء. أنا شخصياً أحب الأساطير ، حتى لو لم تكن القصص حقيقية فقد نشأت على حب معرفتها. أجدها مثيرة للاهتمام إذ تظهر كيف يمكن أن يكون الإنسان مبدعًا وخلاقًا و ذا بصيرة. وأنا أُذهل بما تمثّل (أعرف العديد من الأساطير المثيرة للاهتمام التي أود التحدث عنها – خاصة إذا كنتم مهتمين ، أخبروني في التعليقات أدناه)

العنقاء و ما يُمثله

الشاعر محمود درويش العنقاء
الشاعر محمود درويش

على سبيل المثال  العنقاء يمثل الولادة من جديد و التجدد، يمثل فرصة ثانية، يمثل المستحيل، و يمثل الخلد. وقد استُخدمت هذه التمثيلات في أطنان من القصص (كألف ليلة وليلة) والعديد من القصائد.  فصفات التجدد و الخلد إستخدمها  الشاعر محمود درويش في قصيدته “مديح الظل العالي”

وحدي أدافع عن هواء ٍ ليس لي
وحدي أدافع عن هواء ٍ ليس لي
وحدي على سطح المدينة واقف ٌ
أيوب مات ، وماتت ِ العنقاء ُ ‘ وانصرف َ الصحابة
وحـــدي . أراود نفسي َ الثكلى فتأبى أن تســاعدني على نفسي
ووحـــدي كنت وحدي
عندما قاومت وحــدي … وحدة الروح الأخيــرة
لا تذكر الموتى ، فقد ماتوا فرادى أو .. عواصــم
سأراك في قلبي غدا ً ، سأراك في قلبي
وأجهش يا ابن أمي باللغة…

استخدم درويش تلك الصفات تحديدًا لإظهار حالة فلسطين. بغض النظر عن مدة استمرار الحرب ، وعدد القنابل التي يتم إلقاءها ، بغض النظر عن عدد المرات التي تموت فيها فلسطين ، ستنهض مرة أخرى من الرماد أقوى من قبل.

الأمل والتجدد

 العنقاء الراحل عبد الحليم حافظ العندليب الاسمر
الراحل عبد الحليم حافظ

لقد مررنا جميعًا بأوقات إعتقدنا انه من المستحيل تجاوزها ، الأوقات التي فكرنا فيها أن الاستسلام هو السبيل الوحيد للخروج من بؤسنا ، وبدا الحل مستحيلًا ، كان من المستحيل تحقيق الأحلام ولكن كطائر العنقاء حتى المستحيل ليس بعيد المنال. سأشارككم قصة ملهمة قد لا يعرفها الكثير منكم. لقد سمعنا جميعًا عن عبد الحليم حافظ (الملقب بالعندليب الاسمر) في مرحلة ما من حياتنا ، كان مغنيًا / ممثلًا مصريًا … أعماله تتحدث عنه… خلال حياته تم تشخيصه بالبلهارسيا و هو مرض خطير يؤدي الى حدوث فشل في الوظائف الحيوية، و قد اجرى العندليب ما يفوق الستين عملية جراحية في حياته،  كانت احتمالات نجاح مسيرته الفنيّة ضئيلة جدًّا شبه مستحيلة حتى لكنه يُعرف اليوم كأسطورة و لا تزال أغانيه تُسمع الى الآن.  لم يستسلم قط  وقد كان بعد كل عملية يولد من جديد

إن مع العسر يسرا قرآن

المغزى من الموضوع كله، الحياة عبارة عن نزلات و طلعات ، وولادة وموت ، وتغيّر مستمرّ ، مثل حياة العنقاء تمامًا، والخيار دائمًا بأيدنا: نُصبح رماد او نُخلق من جديد و كلما شعرنا ان المشاكل صعبة ، كلما أحسسنا ان أحلامنا بعيدة المنال لا بدّ من التفائل.

العنقاء تولد من نفسها، وتعيد ابتكار نفسها، أكثر شبابا وطاقة وحيويّة ..

صح نحن جيل ولد في أزمات إقتصادية و إجتماعية و حروب وتعلمنا الاستقلالية من عمر صغير و قد تبدو طموحاتنا صعبة المنال لكننا الفرصة الوحيدة لمستقبل أفضل، يجب ان ناخد العبر من التجارب مثل العبر التي نستوحيها من القصص و الأساطير، ونؤمن بها و نطبقها  في حياتنا لنبني بلاد تُؤمن و تدعم إمكانيات أفرادها.

تصبحون على حلم.

كالعادة يمكنم التواصل معنا لكتابة او اقتراح مواضيع ترغبون في القراءة عنها على مواقع التواصل الاجتماعي

instagram: @klmon_net

Facebook: klmon.net

او عن طريق ال Form

المراجع: