تلعب الصدف أدوارا كبرى في خلق الكثير من الإبداعات والقطع الفنيّة الناجحة ، وهذا ما يمكننا أن نراه في قصّة أغنية “أنا وليلى” التي كتبها الشاعر حسن المرواني، ولحنّها وغنّاها كاظم الساهر…
أنا وليلى واشطبوا اسماءكم – القصة كما رواها صاحبها حسن المرواني
في بداية الأمر دعونا نعترف أن القصيدة ” أنا وليلى” ما وصلتنا لروعتها لولا أغنية أنا وليلى للفنان كاظم الساهر لذا سأعرّفكم قليلا بهذه القصة :
أغنية ” أنا وليلى” لكاظم الساهر
كان كاظم الساهر يوما يقرأ جريدة هي الأكثر انتشارا في الوسط الشبابي في فترة الثمانينات في العراق , وكانت جريدة متميزة في كل شيء. وفي كل عدد تصدره الجريدة كانت تضم صفحة للمساهمات الشعرية, حيث تضمنت في أحد أعدادها بضع أبيات من قصيدة “أنا وليلى”, وللصدفة يومها أن وقعت عليها عيني الفنان العراقي كاظم الساهر, فوقع على الفور في حبها وأخذ بالبحث عن كاتبها ليحصل على القصيدة كاملة.
ونظرا لكثرة المدعين كتابتها, لجأ الساهر إلى طلب إكمال القصيدة على كل من ادعى ذلك, واستمر بالبحث عن الشاعر من خمس إلى ست سنوات حتى وجده, وكان الفضل لوصول كاظم إلى الشاعر الحقيقي يعود لابن خالة حسن المرواني (الكاتب), الذي اوصل كاظم الساهر لحسن والذي كان يعمل في مدرسا في ليبيا حينها.
دفع جمال القصيدة رغبة كاظم الساهر في إخراجها بالصورة المثلى, حيث قضى فيها ثماني سنوات ينوّع بلحنها إلى أن وصل إلى الثبات على اللحن الرائع الذي نعرفه جميعنا. (التنوّع الرائع في لحن الأغنيّة ، والابداع والابتكار في إدخال مقاطع طربيّة مألوفة وفي تناسق النغم والكلمات هو من أهمّ معالم فرادة هذه الأغنية)
فمن هو الشاعر حسن المرواني
نشأ الشاعر حسن المرواني في منطقه من مناطق بغداد وكان شابا خلوقا خجولا. ورغم نشأته في عائلة فقيرة إلا أنه التحق بكلية الآداب في جامعة بغداد. الأهم من ذلك أنه المكان الذي جمعه بمحبوبته الفتاة التركمانية التي دعاها باسم “ليلى” كناية عن المحبوبة كما هو في الشعر العربي.
مناسبة القصيدة
كان حسن شابا طموحا مهووسا بالشعر العربي وكتابته, ولذلك حفظ بحور الشعر وأتقنها, وكتب شعرا وكان عادة ما يثير دهشة مدرسيه وسامعيه رغم صغر سنه ونتيجة لذلك فقد كان تشجيع من حوله دائما ما يدفعه لكتابة الشعر, ولكنه كان خجولا لا يحب الشهرة والظهور. ويوما ما عثر حسن على ضالته ” ليلى” في كلية الآداب حيث يدرس, وأراد حسن أن يكتب لها شعرا, ولكنه عرف أن محبوبته قد خطبت لأحد أقاربها. ففطر قلبه وتفجر شعرا تفوح من كل بيت من أبياته رائحة الحزن . وبعد أن أتم كتابة قصيدته قرأها على أصدقاءه, فنالت إعجابهم. وفي مهاية المطاف, قرر أن يقرأها على مسامع محبوبته فكان ذلك في مهرجان الكلية السنوي عام 1971-1972م أمام جمهور من طلبة الكلية وأهمهم ليلى. حيث قال لها :
(قصيدة “أنا وليلى” )
أنا وليلى واشطبوا أسماءكم
ماتت بمحراب عينيكِ ابتهالاتي .. واستسلمت لريـاح اليـأس راياتـي
جفت على بابك الموصود أزمنتي .. ليلى .. ما أثمرت شيئـاً نداءاتـي
عامان ما رف لي لحنٌ على وتر.. ولا استفاقت على نـور سماواتـي
أعتق الحب في قلبي وأعصره .. فأرشف الهـم فـي مغبـر كاساتـي
ممزق أنـا لا جـاه ولا تـرف .. يغريـكِ فـيّ فخلينـي لآهاتـي
لو تعصرين سنين العمر أكملها .. لسال منها نزيـف مـن جراحاتـي
لو كنت ذا ترف ما كنت رافضة حبي .. لكن عسر فقر الحال مأساتـي
عانيت عانيت لا حزني أبوح به .. ولست تدرين شيئاً عـن معاناتـي
أمشي وأضحك يا ليلى مكابرة .. عليّ أخبي عن النـاس احتضاراتـي
لا الناس تعرف ما أمري فتعذرني .. ولا سبيل لديهـم فـي مواساتـي
يرسوا بجفني حرمان يمص دمـي .. ويستبيـح إذا شـاء ابتساماتـي
معذورة أنت أن أجهضت لي أملي .. لا الذنب ذنبك بل كانت حماقاتـي
أضعت في عرض الصحراء قافلتي .. وجئت أبحث في عينيك عن ذاتي
وجئت أحضانك الخضراء منتشيا .. كالطفل أحمل أحلامـي البريئـات
غرست كفك تجتثيـن أوردتـي .. وتسحقيـن بـلا رفـق مسراتـي
واغربتاه مضاع هاجرت مدني عني .. وما أبحرت منهـا شراعاتـي
نفيت وأستوطن الأغراب في بلدي.. ودمروا كـل أشيائـي الحبيبـاتٍ
خانتك عيناك في زيف وفي كذب .. أم غرك البهرج الخداع مولاتـي
فراشة جئت ألقي كهلى أجنحتي ..لديـك فاحترقـت ظلمـاً جناحاتـي
أصيح والسيف مزروع بخاصرتي .. والغدر حطم آمالي العريضـاتِ
وأنتِ أيضا ألا تبت يـداك ؟؟.. إذا أثـرت قتلـي استعذبـت أناتـي
ليلـى … مـن لـي؟؟ .. بحـذف اسمـك الشفـاف مـن لغـاتـي
إذن ستمسـي بـلا ليلـى .. ليلـى .. يــا ليـلـى .. حكايـاتـي
فماذا كان رد ليلى؟
في البداية عندما التقى حسن بليلى بعد سماعها للقصيدة, أتت إليه وقالت له :” أنا ليست من أولئك الفتيات اللواتي يفضلن المظهر والمال”, ولامته بسبب خجله وتقاعسه عن الحديث إليها والإفصاح عن المشاعر المكنونة داخله, حيث إنه لم يصارحها بمشاعره إلا بعد أن خطبت لأحد أقاربها ولم يكن لديها أي تأكيد على مشاعره تجاهها, وبالتالي فإن كل ما كان لديها مجرد شكوك لا يمكنها أن تبني عليها آمالا للمستقبل.
وبعد ذلك,التقى حسن بليلى مرة أخرى بعد 50 عاما لكنها كانت قد فقدت زوجها وقتها وتواصلت معه عن طريق الفيس بوك بعد إرسالها طلب صداقة لحسن طار قلبه فرحا, وسألها حسن عن الشعبة التي درست بها معه ليتأكد أنها محبوبته, وسؤال هنا وسؤال هناك لتأكدت بأنه “ليلى ” فكان العتاب وقتها سيد الموقف, عاتبته كثيرا فقد ظلمها مرتين أولهما حين لم يصارح بحبه من البداية, وثانيها عندما كتب لها قصيدة صورتها بالفتاة التي غرّها البهرج الخداع كما وصفه .
*ختاما, فإن هذا المقال بما احتواه من معلومات عن الشاعر حسن المرواني قد أخذت من مقابلة تلفزيونية مع الشاعر حسن المرواني.